الخطوة الثانیة للثورة الاسلامیة فی منشور الإمام الخامنئی

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدیر تحریر مجلة (المصطفی) و أستاذ فی جامعة المصطفی العالمیة

المستخلص

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[1]
 
الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة بقيادة الإمام الخميني الراحل عبارة عن مقاربة سيرورتيّة متعدّدة المراحل وطويلة غير محدودة الأمد، وتشكّل كلّ مرحلة فيها مشروعًا قائمًا بذاته واستمرارًا للمراحل السابقة، تُوجَّه بموجب خارطة طريق معدّة مسبقًا. من هنا، فإنّ إسقاط النظام الطاغي وإقامة نظام إسلاميّ على أنقاضه، إنّما كان المرحلة الأولى في سيرورة الثورة الإسلاميّة فحسب٬ ما يتطلّب التمهيد لبلورة الإسلام الأعلوي المبني على مقاصد النظام المعرفيّ الإسلاميّ وصولًا إلى المجتمع المثاليّ (المهدويّ).
من هذا المنطلق جاء منشور قائد الثورة سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي في الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلاميّة تحت عنوان "الخطوة الثانية في الثورة الإسلاميّة" خطّ فيه للثورة الإسلاميّة مراحل خمس.
فالثورة الإسلاميّة كانت استهلالًا لهذه المراحل الخمس يكون امتدادها النظام الإسلاميّ، ومن ثمّ تمرّ بمراحل حتى قيام الدولة الإسلاميّة وتأسيس المجتمع الإسلاميّ والبلد الإسلاميّ لتؤول في نهاية المطاف إلى الحضارة الإسلاميّة الجديدة.
ويمكن ملاحظة هذه السيرورة إجمالًا في الثورة الإسلاميّة النبويّة في المجتمع النبويّ في المدينة، وربّما أمكن البحث عن سرّ توسّع الإسلام ومبادئه في شكل تعولم المعارف الإسلاميّة من خلال تحوّل الإسلام (كمعرفة) إلى ثورة إسلامّية (إسقاط طواغيت عصره) وتأسيس الدولة الإسلاميّة النبويّة في رقعة واسعة من أرض الحجاز وقيام الحكومة الإسلاميّة في المدينة وتبديل المجتمع آنذاك إلى مجتمع إسلاميّ، وبالنهاية تحوّل النظام المعرفيّ الإسلاميّ إلى حضارة إسلاميّة تضمّ بين جنباتها نُظُمًا بنيويّة وشكلانيّة ومعرفيّة، بل وأسلوبًا للحياة في مختلف الميادين تميّزه عن سائر النُظُم المعرفيّة وبناها وقوانينها، وباختصار عن سائر الحضارات غير الإسلاميّة السائدة.
لا يمكن الزعم بأنّ الثورة الإسلاميّة من خلال تأسيس الدولة الإسلاميّة، وأنّ بمرتبة أدنى من الثورة النبويّة وتأسيس الدولة الإسلاميّة في المدينة٬ قد أنجزت أهدافها وطبّقت برامجها المتعالية بشكل شامل وتامّ ما لم تقضِ على الأنظمة غير المشروعة (الطواغيت)، وتقيم على أنقاضها نظامًا مبنيًّا على التعاليم الإسلاميّة الأصليّة، وتشرّع قوانين كليّة وجزئيّة وأصليّة وفرعيّة، وتخلق بنية مناسبة وفاعلة؛ لتكون تمهيدًا لتأسيس الدولة الإسلاميّة واستمرارها.
على هذا الأساس تتبوّأ الثورة الإسلاميّة موقعًا مناسبًا في أوساط المجتمعات المستضعفة كباراديغم فاعل ومؤثّر٬ بما يتيح لها أن تشكّل بداية للامتداد عبر الحدود الجغرافيّة، بل والحدود العقديّة لتجد لها مكانًا في أوساط الأحرار وطلاب العدل والحريّة في العالم.
ولا شكّ أنّه مع التحاق بلاد أخرى بسيرورة الثورة الإسلاميّة سوف يتسنّى لنا حينئذ تأسيس حضارة جديدة مستندة إلى أهداف الثورة ومقاصدها تبسط جناحيها على مساحة واسعة من هذا العالم لتوطئ لظهور شمس الولاية العظمى الإمام المهدي عليه السلام.
صدر منشور الخطوة الثانية للثورة في الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة في 1440 هـ/2019 م. وبمناسبة عقد جامعة المصطفى العديد من المؤتمرات والملتقيات العلميّة في عامي 2021 - 2022 م/ 1441-1442 هـ، فقد ارتأت مجلة «المصطفى» تخصيص هذا العدد لاستعراض الأبعاد العالمية للمنشور المذكور.
 
[1]. سورة يونس: 57.